آخر المواضيع

الثلاثاء، 15 مايو 2018

هل لوجود الدولة ضروري

طرح المشكلة: تعرف الدولة بأنها جماعة من الناس تقيم على رقعة جغرافية بشكل دائم مع خضوعهم لسلطة معينة و تمتعهم بقدر من السيادة كما تعتبر الدولة الكيان السياسي الذي ينظم علاقة الحاكم بالمحكوم لكن الفلاسفة و رجال السياسة اختلفوا حول ضرورة الدولة و أهميتها في تنظيم شؤون الحياة فمنهم من يرى أنها كيان ضروري لا يمكن الاستغناء عنه و منهم من يرفضها و يعتبرها مقيدة لحرية الأفراد. و من هنا نتساءل: هل الكيان السياسي ضروري في تنظيم حياة أفراد الشعب أم يمكن الاستغناء عنها ؟
محاولة حل المشكلة: عرض منطق الأطروحة : يرى بعض الفلاسفة و على رأسهم الفيلسوف اليوناني أفلاطون Platon(429-347 ق.م) و الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز (1588-1679) Thomas Hobbs و الفيلسوف الألماني هيغل Hegel( 1770-13-1831) أن وجود الدولة أكثر من ضروري لفرض النظام و الأمن و لحماية الحقوق المختلفة للمواطنين و نشر مختلف القيم الروحية و الأخلاقية و هذه أمور لا تتحقق الا في ظل الدولة لأن الانسان كائن مدني و اجتماعي بطبعه .
الحجج : يؤكد هيغل أن للدولة دورا مهما في نشر القيم الروحية و المبادئ الأخلاقية السامية كالتعاون و التكافل و المحبة و التضحية و هي قيم و مبادئ أساسية بالنسبة للمجتمع حتى يتمكن الانسان من تحقيق إنسانيته فالدولة تشكل أرقى درجات التنظيم العقلي الذي وصلت إليه البشرية و أنها غاية في ذاتها حيث يقول: « الدولة هي الوجود بالفعل للفكرة الأخلاقية ». كما يؤكد هوبز أن الدولة ضرورية لتحقيق الأمن و الحرية فالإنسان ذئب لأخيه الانسان و الدولة لا غنى عنها للحد من الطبيعة الحيوانية للبشر و المحافظة على كرامتهم و هو نفس ما عبر عنه أفلاطون قديما حينما اعتبر الانسان حيوانا سياسيا أي أن وجودنا يتحدد في إطار الدولة. و قد أكد ذلك الفيلسوف و عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبرMax Weber (1864-1920) في قوله: « ﺇن وجود الدولة قوامه علاقة السيطرة من الانسان على الانسان باستخدام العنف المشروع » و الى نفس الفكرة ذهب ابن خلدون (1332-1406) فهو يرى ضرورة الاجتماع السياسي و لكنه يشترط وجود حاكم قوي لوضع حد للطبيعة العدوانية للإنسان حيث يقول « ثم ﺇن هذا الاجتماع ﺇذا حصل بلا شر فلا بد من وازع يدفع الناس بعضهم عن بعض لما في طباعهم الحيوانية من العدوان و الظلم ».
ﺇن الحريات و الحقوق لا تمارس الا في إطار النظام فالواقع يؤكد ان الأنظمة الديمقراطية توفر لشعوبها قدرا كبيرا من الحريات، وهو ما تظهر قيمته أكثر في عند المقارنة مع الشعوب التي يسقط فيها النظام فقد حلت الفوضى في العراق عند سقوط نظام صدام حسين لدرجة أن آثارا عمرها آلاف السنين تم نهبها و تحطيم بعضها في ساعات قليلة، حتى أن الكثيرين تمنوا عودة النظام المنهار، و في ذلك يقول سبينوزا Spinoza(1632-1677):« لم توجد الدولة لتحكم الانسان بالخوف و إنما وجدت لتحرر الفرد من الخوف ».كما تعتبر الرعاية الاقتصادية التي تتمثل في اختيار النظام الاقتصادي الأفضل لتنمية الثروة و حسن استثمار الموارد الطبيعية و الوظيفة السياسية التي تعني اختيار النظام السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب ألا و هو النظام الديمقراطي الذي يحقق الحرية السياسية و تكوين الأحزاب و يحفظ حق المعارضة والوظيفة الثقافية التي تحفظ مقومات الأمة وتعرف بها للدول أخرى من خلال تنظيم المهرجانات الثقافية و الصالونات الدولية الخاصة بالكتاب مثلا و الوظيفة الاجتماعية التي توجب رعاية أفراد الشعب من خلال بناء المستشفيات و دور الرعاية الخاصة بالمشردين... كل هذه تعتبر من وظائف الدولة الحديثة باعتبار أن الانسان كائن اجتماعي لا يتحقق وجوده الا من خلال تواصله مع الآخرين بطريقة منظمة عن طريق الدولة.
النقد: صحيح أن للدولة دورا مهما في تنظيم حياة الأفراد لكن الواقع يؤكد أنه كثيرا ما كانت وسيلة للظلم و القمع و سلب الحريات كما هو الشأن في الدول الاستبدادية مثال ذلك النظام النازي و أيضا الفاشي الذين كانا قائمين على القهر و الاغتيالات و التحكم في الشعوب بقانون القوة لا بقوة القانون و ما التجاوزات التي تحدث في بعض الدول العربية كسوريا مثلا الا دليل على هذا التسلط كما أن الوعي الذي عرفه الانسان على المستوى السياسي مكنه من وضع آليات تقيد استعمال السلطة كتحديد العهدات الرآسية ، وتحولت علاقة المواطن بالسلطة من علاقة رضوخ و استسلام الى علاقة امتثال للقانون الذي اشترك الأفراد في و ضعه.
عرض نقيض الأطروحة: في المقابل يرى بعض الفلاسفة و على رأسهم الفيلسوف الألماني انجلز (1820-1895) Engels و مواطنه كارل ماركس (1818-1883) Karl Marx و زعيم الفوضوية الفيلسوف الروسي باكونين (1814-1876) Bakuninأن الدولة تعتبر تجسيدا لسلطة القوي على الضعيف ﺇذ تعبر عن أنانية البشر و تسلطهم و هي كيان قمعي يقيد حرية الانسان لذلك فهي غير ضرورية.
الحجج: يؤكد كارل ماركس و انجلز أن الدولة مؤسسة طبقية فهي تخدم مصلحة الطبقة الحاكمة و هي وسيلة لتبرير الظلم و الاستغلال حيث يقول انجلز : « القانون و الأخلاق مبررات وضعها الأغنياء للسيطرة على الفقراء » ﺇذ تعمل الدولة على تضييق مجال الاتصال بين الأفراد و تحد من انتشار القيم الأخلاقية العالمية كالسلام مثلا و التعاون و هذا بسبب الحدود لذلك يدعوا أنصار هذا الاتجاه الى إزالتها .
كما يؤكد الفوضويون و على رأسهم باكونين Bakuninالذي دعا الى إزالة الدولة و الى المساواة بين الرجل و المرأة و الى الاشتراكية و محو الفوارق و الطبقية الاجتماعية فالدولة تؤدي الى ظهور طبقتين الأولى غنية و مالكة للثروة و وسائل الإنتاج و الثانية فقيرة كادحة لا تملك سوى طاقة العمل ﺇذ تسيطر الطبقة الأولى على الثانية لإرغامها على الخضوع و ذلك باسم الدولة و في ذلك يقول باكونين :« ﺇن الدولة مقبرة كبيرة تدفن فيها جميع مظاهر الحياة الفردية » و يقول انجلز : « ليست الدولة ﺇلا تعبيرا عن إحدى الطبقات في المجتمع ». ﺇن واقع الدول المتخلفة يكشف أنها لا تعمل على ترقية الحريات بل تسعى الى عرقلتها و الحد منها للتحكم في المجتمع أكثر و هذا ما تعبر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من أنا

author عبد الهادي بودانة. استاذ فلسفة. وعلوم اسلامية. خريج المدرسة. العليا للاساتذة الجزائر .. درس. الفلسفة. وعلم النفس. والحقوق .. ومدرب معتمد في التنمية البشرية

اتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *