/-المقدمة(طرح المشكلة): إذا كان الإنسان
قديما يصارع فقط من أجل البقاء , فإنه
اليوم قد أصبح يسعى إلى تحقيق ما هو أفضل خاصة بعدما جعلت منه الديمقراطية فردا
فعالا في مشروع الدولة ومنحته الحق في الممارسة السياسية . لكن إذا كان الواقع
يثبت وجود نوعين من الديمقراطية , فأي منهما يحقق الطموح الأسمى الذي تسعى إليه
المجتمعات ؟ سؤال شكل محور نقاش لدى
الكثير من الدارسين حيث ذهب البعض منهم إلى التأكيد على أن الجمع بين
بنود نظرية العقد الاجتماعي من الناحية
السياسية و مبادئ الرأسمالية من الناحية
الاقتصادية ( الليبرالية) يسمح بتحقيق
الرقي . في حين نجد البعض الآخر
أكدوا أن
طموح الأفراد متوقف على إعتماد مبادئ الديمقراطية الاشتراكية مادامت تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية .
لذا فهل من صواب بين الطرحين ؟ وهل يمكن تحقيق الكرامة الإنسانية في ظل
الديمقراطية السياسية أم في ظل الديمقراطية الاجتماعية ؟
التوسيع
: محاولة حل المشكلة :
القضية: (الليبرالية) الديمقراطية السياسية تحقق
الرقي و الكرامة الإنسانية.
إستوحى هذا النظام مبادئه من
نظرية العقد الإجتماعي ( الديموقراطية ) من جهة
والاقتصاد الحر ( الرأسمالية ) من جهة أخرى.
وهو ما يسمح بتحقيق المساواة من الناحية السياسية والحرية من ناحية
المنافسة الاقتصادية . هذا النظام يعمل على
تقديس مصلحة الفرد قبل كل شيء و طبق كبديل عن الظلم الذي كانت تفرضه الأنظمة
الديكتاتورية لذا فهو يحقق الرقي والكرامة
الإنسانية .
البرهنة: كل هذه المبادئ
أشار إليها
1 - أكد هنري
ميشال: " أن الغاية الأولى للديمقراطية (السياسية) هي الحرية. فهي
تساهم في تطور الإنسان بضمانها لكل فرد حدا معينا من الحرية الإقتصادية ونصيبا
عادلا من منتوج العمل وجوا ثقافيا أخلاقيا يمكنه من بلوغ قمة الإنسانية.
فالديموقراطية السياسية هي حكومة شعب ناضج , وتعد من أصعب النظم تحققا لأنها تبنى
على أساس قوة و كفاءة الشعب , هذه الكفاءة تتجلى من خلال انتخاب الحاكم الذي يحقق
الكرامة , و القدرة على تطبيق مبادئ الإقتصاد الرأسمالي , حيث أن المؤسسات الخاصة
هي الموجهة للإقتصاد و المتحكمة في الأسعار و التشغيل .
الديمقراطية السياسية هي التي
تحقق المنفعة العامة على أساس أن الكلمة للأغلبية التي تمثل سيادة الشعب"فهي
تقدس الفرد و تجعل القانون في مصلحته المادية دون تعارض أخلاقي مع المنفعة العامة
فهي تفسح المجال للتعبير عن الكفاءات والمنافسة الحرة وذلك ما عبر عنه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش من
خلال قوله " من يقف ضد حرية التبادل هو يقف ضد الفقراء " كما أن رفض
المنافسة هو رفض لطبيعة الإنسان
النقد: لا ننكر أن
الديمقراطية السياسية حققت إنجازات كبيرة في مجالات السياسة لكن ما يعاب عليها أن
من يسيطر اقتصاديا هو الذي يسيطر سياسيا بمعنى أن السياسة مرتبطة بأصحاب المال،
أما الطبقة الشعبية فمشاركتها في الحياة السياسية فقط شكلية عن طريق الانتخابات
التي تسمح لأصحاب النفوذ بشراء الأصوات. إضافة إلى الفضائح الأخلاقية التي عرفها هذا
النظام (فضيحة مونيكا لوينسكي- سجن أبو
غريب – غوانتانامو) كذلك إن الليبرالية تعد بمثابة الجهاز الذي يسخر من أجل تحطيم
الحرية لا من أجل دعمها لأنه من المستحيل على البطال الأمريكي أن يشعر بالحرية و
الكرامة ما دام خاضعا لكل أنواع الانحراف و القمع . كما أن هذا النظام لا يخدم كل
الشعوب بل وجد فقط في صالح ( الو . م . الأمريكية) .
نقيض القضية (
الديموقراطية السياسية ليست اساسا في تحقيق الرقي و الكرامة الانسانية )
يذهب أنصار هذا الطرح للتأكيد على فكرة أساسية مضمونها أن الديموقراطية
السياسية لا تساهم في تحقيق الرقي و الكرامة الإنسانية مادامت لا تهدف إلى العدالة
الاجتماعية و مادامت نظاما وجد لخدمة طبقة معينة على حساب الطبقات الأخرى من
أفراد المجتمع . و هذا ما أدى إلى طرح
البديل و المتمثل في الديموقراطية الإجتماعية ( الشيوعية ) .
البرهنة:
1 تعتمد الشيوعية من الناحية السياسية على مبادئ العقد
الاجتماعي ( الديموقراطية ) كما تعتمد من
ناحية الاقتصاد على مبادئ الاقتصاد الموجه(
الإشتراكية ) . يهدف هذا النظام إلى
تحقيق العدالة الاجتماعية التي تقوم على أساس المساواة الاجتماعية أي إحداث تكافؤ
الفرص ومحو الفوارق الاجتماعية . كما أن
الدولة بتدخلها في الشؤون الإقتصادية قد تحقق طموح الجماهير الكادحة وتمنحها الحقوق التي أهملتها الليبرالية . طرح هذا النظام من أجل إبراز مساوئ الديمقراطية
السياسية إذ يقول أناتول فرانس واصفا الديمقراطية السياسية بالقسوة "
إن الذين ينتجون الأشياء الضرورية للحياة يفتقدونها
وهي تكثر عند الذين لا ينتجونها "
2 – أكد لينين " إن
كل دولة يسيطر فيها الرأسمال مهما كانت ديمقراطية فهي رأسمالية. وهي آلة بيد
الرأسماليين مخصصة لإبقاء الطبقة العاملة وطبقة الفلاحين الفقراء تحت سيطرتهم".
و يقول أيضا " أن الانتخابات العامة و المجلس التأسيسي أو البرلمان ليس إلا
شكل ظاهري للحرية في الديموقراطية السياسية , و أن هذه الأفكار هي كذبة سياسية
" و هذا ما يعني أن الولايات المتحدة
الأمريكية كنموذج عن النظام الليبرالي موجهة من طرف مجلس الشيوخ الذي يمثله اكبر
القضاة , البنكيين , و العائلات المالكة للمشاريع العظمى ( الجنرال فورد) و هذا المجلس هو الذي يعين الرئيس الذي يخدم
المصالح على المستوى الدولي . والتعيين
يتم بشراء أصوات الفقراء في الانتخابات .
النقد: لكن الواقع يؤكد فساد الأنظمة الشيوعية وانهيار أهم قلعة للديمقراطية الاجتماعية
(الاتحاد السوفيتي)، ومن جهة أخرى رقي الأنظمة المطبقة لليبرالية التي لا يمكن أن
تكون سلطة استبداد علما أنها تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات والتعددية الحزبية
وتعترف بالملكية الخاصة. إن الديموقراطية الاجتماعية لم تقدم مبادئ جديدة بل وجدت
فقط من أجل انتقاد مبادئ الليبرالية في ظل الحرب الباردة .
التركيب: لا يمكن اعتبار الديمقراطية كأساس لتحقيق الرقي
وكرامة الإنسان ولا الديمقراطية الاجتماعية بل يمكن احترام الوسطية الاعتزالية في
النظام أي السياسي الاجتماعي. فالرقي والكرامة تتحقق في ظل نظام ديموقراطي يهدف
إلى تقديس حرية الفرد و العدالة
الاجتماعية في آن واحد . و هذا ما يتماشى نظام الشورى في الإسلام . فالإسلام يقرر
مبدأ سيادة الشعب في اختيار الحاكم (المبايعة)، الحاكم هو الخليفة العادل الذي
يطبق مبدأ الشورى في كل القضايا . ويسعى إلى تحقيق الكرامة وفق ضوابط دينية و أسس
أخلاقية
خاتمة:
ختام القول يمكن التأكيد أن الديمقراطية السياسية
رغم تجاهلها لبعض القيم الأخلاقية إلا أنها تمثل السيادة العالمية. رغم أنها لا
تحقق الكرامة الإنسانية لكل الأفراد إلا أن المجتمعات المعاصرة تعتبرها نموذجا
للرقي مادامت أثبتت وجودها على حساب الديمقراطية الاجتماعية.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق